رواية منظور الشرير - الفصل 14
“يجب أن أغادر هذا المكان”
أبو مناجل لا ينوي أن يتركني ، خصوصا بعد الذي فعلته به ..
كنت الأن وسط سلسلة من الجبال .
المكان الذي أهدف للوصول إليه يتميز بلونه الأسود ، جبل مميز و كأنه مصنوع من حجر كريم أسود ..
نظرت يمينا ثم يسارا ، لاشيء ..
هذا يعني أنني مضطر للمواصلة شرقا ، و الشرق كان من ..
نظرت أمامي لأجد جبلا هائلا يطل علي ..
“لايوجد شيء سهل في هذه الحياة هاه ؟”
كنت مضطرا لتسلق هذا الجبل إذا أردت بلوغ ما يوجد خلفه ..
تفقدت أصابع يدي المتورمة ، هل سأتمكن من تسلق جبل كهذا ؟
تنهدت قبل أن أشق طريقي ..
“من رحم المعاناة يولد الاقوياء”
كنت أنا من أنشأ هذه المقولة ، كنت أكررها في كل مرة يعاني فيها بطل الرواية ..
الأن كنت أشرب من نفس الكأس ..
القدر يسخر مني حقا ..
هذه المرة يجب أن أكون حذرا قدر المستطاع ، إذا واصلت إستهلاك الجرع العلاجية فسيضعف تأثيرها شيئا فشيئا إلى أن يعتاد جسدي عليها تماما ..
يجب أن أعتمد على العلاج الطبيعي و أقلل من إستعمالها ..
بهذه الأفكار قفزت متمسكا بالشقوق الممتدة على طول الطريق نحو القمة ..
إستعملت جسدي كما لم أستعمله من قبل ، عملت عضلاتي بشكل مستمر معتمدا على قوتي لدعم نفسي ..
بعد ساعة من التسلق المستمر أحسست بألم شديد نابع من رئتي لأنني كنت أتنفس ذلك الهواء المتجمد باستمرار ..
في مرحلة ما لم أعد أحس بأطرافي ،كان الألم المنبعث منهم هو الشيء الوحيد الذي أثبت أنهم لا يزالون هناك ..
رفعت رأسي ملقيا نظرة نحو الأعلى ..
“لا تزال بعيدة ..”
كانت القمة أبعد مما توقعت ، لكنني لم أضطر لبلوغها، فقط إحتجت إلى مسار أقطع منه الجبل ..
إلى أن أجده كنت مجبرا على التسلق ..
…
…
…
بعد ما بدى أنه سيستمر إلى الأبد بلغت أخيرا أرضا يمكنني الوقوف عليها .
“فقط كم تسلقت بحق الجحيم ؟”
لم أعد أستطيع رؤية القاع بعد الأن ، لقد إرتفعت كثيرا فوق سطح الأرض.
لحسن الحظ جسد فراي كان قويا بما فيه الكفاية لتحمل هذه الظروف .
جلست فوق الثلج البارد الذي غطى الجبل بأكمله محاولا إلتقاط أنفاسي .
ملأت معدتي و جددت طاقتي قبل أن أقف ثانية إستعدادا للمواصلة .
“حسنا ماذا لدينا هنا ”
يبدو أنني لم أعد مضطرا للتسلق فالطريق أمامي سمح لي بالإلتفاف حول الجبل الهائل .
“أخيرا”
مشيت بهدوء فوق حقل الثلج ، إستمتعت حقا بشعور السير فوق أرض مسطحة بعد كل ذلك التسلق .
كانت المسيرة هادئة إلى أن سمعت ذلك الصوت الذي عكر مزاجي ..
“ماذا الأن ؟”
الصوت بدى أشبه بصوت الفئران ماعدا أنه كان أعلى بكثير ..
من الزاوية أطل علي مخلوق قصير يقف على قدمين ، يداه كانتا عبارة عن 3 أظافر ضخمة أما رأسه فبدى مثل الخلد ..
أنا أعرفه ..
“قوارض الجبل ..”
كان هذا أحد أضعف مخلوقات الكابوس ، لولا حقيقة أنه سكن قمم الجبال بفضل مقاومته الهائلة للبرد لكان إنقرض منذ زمن طويل ..
من خلف القارض ظهر ثاني و ثالث و زحفو نحوي ببطء و صوت طقطقة الأسنان يصدر منهم .
“هذا مثالي”
سحبت سيفا رفيعا ذو حد واحد من خاتم الأبعاد .
“لا مزيد من المسدسات .”
كانت مهارة المبارزة عندي في أدنى مستوياتها و لم أمتلك أي أسلوب قتالي ..
لكن حتى مهاراتي الصدئة ستكون كافية أمام هته القوارض .
بعد كل شيء هم كانو في القاع … في الفئة G لأكون دقيقا .
أخذت نفسا عميقا و سمحت لتلك القوة بالتدفق عبر عروقي .
سبحت الأورا بحرية عبر جسدي وصولا نحو السيف في يدي .
على الفور ظهر غشاء أرجواني حول حافة السيف ما جعله أقوى .
إتخذت وضعية قتالية في إنتظار خصومي ..
“تعالو”
إستجابا لندائي قفز إثنان من القوارض نحوي في نفس الوقت ..
رأيت حركتهم بوضوح بفضل عين الصقر ، لذلك كانت إستجابتي سريعة بحيث أن تلويحة واحدة من سيفي فصلت رٱس القارض الأول عن بقية جسده .
إستعملت السيف كدرع ضد القارض الثاني الذي عض حافة السيف .
“غبي”
شددت قبضتي ثم دفعت السيف الذي توغل بسلاسة داخل فم القارض ما جعلني أفصل رأسه هو الأخر عن جسده .
حاول الثالث مباغتتي لكنني كنت أضع عينا عليه منذ البداية ..
في اللحظة التي ظن القارض أنه تمكن مني طعنت من زاوية عمياء مخترقا جسد الرجس بسهولة .
مثل سيخ كباب رفعت جسده عاليا ، تخبط المخلوق بعنف محاولا التحرر من السيف .
تدفقت دماءه بغزارة فوق الأرض قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة .
سحبت جسد القارض و مسحت سيفي ..
“كان هذا منعشا ..”
لأول مرة داخل هذه الأرض اللعينة لم أضطر للهرب ..
لأول مرة سار كل شيء بسلاسة .
إستدرت و واصلت طريقي . لكن في تلك اللحظة أطل علي قارض آخر ..
“المزيد ؟”
رفعت سيفي إستعدادا للمواجهة .
لكن أمامي ظهر القارض الأول ثم الثاني ثم الثالث ، ثم خرج العشرات ، قبل أن يصبح عددا لم تستطع أعيني تقديره ..
نظرت نحو مد القوارض الذي ظهر أمامي بتعبير فارغ ..
“جديا ؟ هل أنتم تعبثون معي ؟”
إستدرت على الفور و بدأت أجري … لقد كنت أهرب مجددا ..
أعني بحقك ؟ هل تريد مني مواجهة هذا الجيش ؟
كانت الأرض تهتز تحتي بسبب العدد الهائل من القوارض الذي جرى ورائي .
كانو ضعفاء لكن التعامل مع هذا العدد كان مستحيلا ..
من حين لاخر كنت أقتل بعضهم عندما يقتربون مني بدرجة كافية ، لكن عددهم لم ينقص ولو قليلا ، بالعكس هو كان يزيد شيئا فشيئا ..
بدأت أشعر بالقلق عندما أدركت حقيقة أنني سأموت إذا وصلت لطريق مسدود أو تمت محاصرتي .
لحسن الحظ كان الطريق ممدودا أمامي لكن القوارض الان لم تكن تأتي من خلفي فحسب ، بل رأيتها تنزل من قمة الجبل متسلقة الجدران ..
“اللعنة ..”
أنا لا أملك أية مهارات تسبب ضررا واسع النطاق ما عنى أن قتلهم كان مستحيلا ..
غرق قلبي بمكانه عندما رأيت الطريق الذي إنتهى ، أما بالنسبة لنهايته فتواجدت هناك فجوة هائلة قادت إلى داخل الجبل .
“كهف ؟”
دخوله الأن كان مقامرة ، لكنني لم أملك الخيار ..
زدت من سرعتي وشققت طريقي داخل الكهف الهائل معتمدا على عين الصقر من أجل الرؤية إلى حد ما وسط الظلام .
سارعت داخل الكهف لكنني توقفت عندما سمعت صوت الإصطدام ورائي.
عندما إستدرت رأيت القوارض تقف هناك عند مدخل الكهف ، إصطدمو ببعضهم البعض بجنون لكن لم يدخل أي منهم الكهف ورائي ..
“مالذي يحدث هنا؟”
كانت القوارض تملؤ مدخل الكهف بالكامل الأن ، إقتربت منهم لكن رغم أن المسافة بيننا كانت بضعة أمتار إلا أنهم لم يأتو إلي ..
ألقيت نظرة داخل الكهف المظلم .
هم كانو خائفين من الدخول ..
لكن السؤال كان بسيطا .. ماهو الشيء الذي جعلهم على هذه الحال ؟.
إبتلعت لعابي بصوت عالي قبل أن أشق طريقي داخل الكهف ..
لا أريد أن التقي بأيا كان الشيء الذي تواجد بالداخل ، لكنني لا أملك الخيار..
إما التوغل ، أو أصبح عشاءا للقوارض ..
مشيت ببطء معتمدا على خطوات الشبح لجعل خطواتي صامتة قدر الإمكان ..
كانت رؤيتي المعززة محدودة بفضل الظلام الذي غمر المكان ..
عم الصمت ما جعل الأجواء متوترة أكثر و أكثر ، حقيقة أنني كنت بمفردي لم تساعد ..
بعد المشي لمدة طويلة لمست قدمي شيئا صلبا ..
عندما ألقيت نظرة إكتشفت ماهيتها على الفور ..
“عظام ؟”
عظام بشرية ..
خطوة خطوة أخرى لأجد المزيد ..
“تبا”
كان إشعال الضوء هنا مثل طلب الموت لكنني كنت مضطرا ، كما أنني تواجدت داخل كهف لذلك لم أقلق من جذب المخلوقات بالخارج ..
سحبت مصباحا يدويا من خاتم الأبعاد و أضأت المنطقة من حولي ..
أخيرا تمكنت من رؤية ما حولي بوضوح ..
كان الكهف الذي أصبح أضيق بكثير مليئا بالعظام البشرية ..
مشيت ببطء وسط كومة العظام ، هي لم تظهر أي علامة على الإنتهاء بحيث أنها كانت مفروشة على طول الطريق .
“مالذي حدث هنا ؟”
غرقت داخل أفكاري إلى أن سمعت صوتا من خلفي جعلني أستدير على الفور .
لكن و على عكس ما توقعت لم أجد شيئا ، فقط العظام ..
مشيت بحذر خائفا من أن يباغثني شيء ما ..
فجأة أحسست بيد تلمس قدمي ..
رميت بجسدي الى الخلف على الفور ، عندما نظرت نحو الأرض وجدت يدا عظمية مرمية هناك ..
“أقسم أن شيئا ما قد لمسني الان ..”
خشخشة
بدأت الأصوات تأتي من كل مكان …
“مالذي يحدث هنا بحق العالم ؟”
كان هذا كثيرا على أعصابي ..
بدأت أضيء المنطقة بشكل عشوائي لكنني لم أرى شيئا سوى العظام ..
“إنتظر …عظام؟”
حاولت الهرب عندما بدأت أستوعب أخيرا ما كان يحدث هنا.
لكن في اللحظة التي حاولت فيها الهرب قفز شيئا ما علي قادما من الظلام ..
أحسست بشيء يطعن كتفي ، في اللحظة التي ألقيت نظرة على الكائن فوقي وجدت هيكلا عظميا بضوء أحمر يتوهج من فجوات عينيه و هو يصرخ في وجهي .. لوحت بسيفي محطما الهيكل العظمي إلى قطع ..
نهضت متمسكا بالجرح على كتفي ..
عندما وقفت بدأ الكهف بأكمله بهتز بعنف ..
“مالذي يحدث هنا ؟!!”
من حولي بدأت العظام تتشكل فوق بعضها البعض ، رأيت الهياكل العظمية تظهر واحدة تلوا الاخر … إذا بقيت هنا ستتم محاصرتي ..
“جديا ؟ هل أنتم تمزحون معي ؟”
للمرة الألف وجدت نفسي أركض من أجل حياتي و جيش من الهياكل العظمية يجري ورائي ..
“الى متى ؟ إلى متى ستطاردني هذه الأشياء اللعينة !”
أينما ذهبت و أينما إرتحلت ، دائما ما أجد شيئا يحاول قتلي ..
مخلوق السلطعون ، جساسة الضباب ثم رجس المناجل ، القوارض و الأن هذا !
لهذه الدرجة تريدون أكلي ! أنا مجرد رجل نحيل ! مالذي ستستفيدونه مني بحق الجحيم ؟!
تحاملت على نفسي و ركضت.
بدأت الهياكل العظمية تهاجم من كل الإتجاهات ، ظهرت من الأمام و من الخلف و من الجوانب.
“تعالو إلي يا أبناء العاهرة”
بدأت ألوح بسيفي بجنون ، في كل مرة كنت أحطم أحد الهياكل العظمية بينما أشق طريقي نحو الأمام ..
“الم تستطيعو البقاء ميتين ؟ لماذا نهضتم !”
شعرت بالحرارة في جسمي بعدما بدأ القتال يطول .
بدأت الهجمات تأتي من كل مكان خصوصا عندما ظهرت بعض الهياكل العظمية التي حملت أسلحة ..
لم أستطع صد كل شيء حتى باستعمال عين الصقر ، ما جعل الجروح تتراكم على جسدي ببطء ..
بفضل الأدرنالين الذي حرك جسدي لم أنتبه في البداية ، لكن جسدي كان مليئا بالجروح الان ، حتى و لو كانت جروحا سطحية ..
واصلت القتال ، أنا أضرب و الهياكل العظمية اللعينة تفعل المثل ..
إستمر هذا لأزيد من ساعة لكن الهياكل العظمية لم تنتهي أبدا…
بدأت الجروح تؤثر لأنها أبطأتني كثيرا ..
كنت بحاجة للقيام بشيء ما ..
بعد بضع دقائق خرجت أخيرا من الكهف الضيق و وجدت نفسي أمام جسر ضخم تم صنعه بواسطة الحبال و الحشب ..
كان الطرف الاخر بعيدا جدا ، لكن في تلك اللحظة بالذات لمعت فكرة في رأسي ..
سحبت على الفور مسدسا من خاتم الأبعاد ، إعتمادا على عين الصقر إستهدفت حواف الجسر .
تم تدمير طرف الجسر ما سبب إنهياره ، في تلك اللحظة قفزت على الفور و تمسكت بأحد الحبال ، من الخلف قفز جيش الهياكل العظمية هو الاخر .
تأرجحت متمسكا بالجسر المتهالك و رأيت الجانب الاخر يقترب بسرعة هائلة ..
“سيكون هذا مؤلما .”
إصطدمت بالجانب الاخر من الجسر ما أرسل صدمة هائلة نحو جسدي…
لحسن الحظ بقيت متمسكا بحبال الجسر ..
“أظنني كسرت بعض العظام ..”
عندما ألقيت نظرة على الجانب الاخر رأيت الهياكل العظمية تسقط بغباء نحو القاع بحيث أنهم واصلو القفز محاولين الوصول إلي .
“مخلوقات غبية ..”
تركت الهياكل العظمية تسقط هناك و تسلقت الجسر المتهالك إلى أن بلغت الطرف الاخر .
زحفت فوق الأرض محاولا تمالك نفسي ..
شعرت بالألم الحارق الذي ملأ جسدي … فقط كم مرة أصبت منذ دخولي لهذه الأرض المشؤومة ؟
حملت نفسي و مشيت نحو المخرج ..
عندما وطأت أقدامي حقل الثلج بالخارج وجدت نفسي قد خرجت من الجبل.
كان القمر ينير السماء الان ..
أمامي إمتدت العديد من الجبال التي تحدت السماء..
لكن ما لفت إنتباهي كان ذلك الجبل الأسود الذي وقف كالملك بينهم ..
دمعت عيني عندما رأيته ..
“أخيرا … أخيرا …!”
كان الهدف أمامي .. بعد كل تلك المعاناة وصلت أخيرا ..
ركضت نحو الجبل الأسود متأملا نهاية هذه الرحلة اللعينة ..
لكن ما هي الا بضع خطوات قبل أن أتجمد مكاني ..
أمامي كان يقف هناك ..
مخلوق لعين عديم الأعين بمناجل هائلة إمتدت من ذراعيه ..
“لابد أنك تمزح معي ..”
مخلوق المناجل..
صررت على أسناني من الغضب ..
“حتى النهاية … حتى النهاية أنتم مصرون على العبث معي !”
يبدو أن صاحب المناجل قد إنتبه لي لأنه صاح بجنون و إندفع نحوي ..
“اللعنة ”
سحبت سيفي و بدأ عقلي يغلي بجنون ..
“ماذا سأفعل الأن ؟”
كان خط النهاية أمام عيني مباشرة ، لكن اللعين أب المناجل يرفض تركي ..
كانت هذه هي المواجهة الأخيرة… إما أنا ، أو هو ..
“لنضع حدا لهذه الرحلة .”